منتديات بحر الابداع
مرحبا مليوووووووووووون

المنتدى من اول يدور لك ليـــــــــــــــــه ما تسجل فديتك والله سجل معنا يا قلبي



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات بحر الابداع
مرحبا مليوووووووووووون

المنتدى من اول يدور لك ليـــــــــــــــــه ما تسجل فديتك والله سجل معنا يا قلبي

منتديات بحر الابداع
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
زر اعجاب
بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية

تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتديات بحر الابداع على موقع حفض الصفحات

تدفق ال RSS


Yahoo! 
MSN 
AOL 
Netvibes 
Bloglines 


مجموعات Google
اشترك في قروب نسيم المحبه
البريد الإلكتروني:
زيارة هذه المجموعة

سحابة الكلمات الدلالية

العربية  العطف  متوسط  


السيرة النبوية العطرة كاملة ويليها صور لاثار النبى صلى الله عليه وسلم

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

جديد السيرة النبوية العطرة كاملة ويليها صور لاثار النبى صلى الله عليه وسلم

مُساهمة  Admin السبت فبراير 04, 2012 7:09 pm

تراكم الأحزان




وقعت هاتان الحادثتان
المؤلمتان خلال أيام معدودة، فاهتزت مشاعر الحزن والألم في قلب رسول الله
صلى الله عليه وسلم، ثم لم تزل تتوالى عليه المصائب من قومه‏.‏ فإنهم
تجرأوا عليه وكاشفوه بالنكال والأذى بعد موت أبي طالب، فازداد غمًا على غم،
حتى يئس منهم، وخرج إلى الطائف رجـاء أن يستجيبوا لدعوتـه، أو يؤووه
وينصـروه على قومــه، فلم يـر مـن يؤوى ولم يـر ناصرًا، بل آذوه أشد الأذى،
ونالوا منه ما لم ينله قومـه‏.‏
وكما اشتدت وطأة أهل مكة على النبي صلى الله عليه وسلم اشتدت على أصحابه
حتى التجأ رفيقه أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى الهجرة عن مكة، فخرج حتى
بلغ بَرْك الغِمَاد، يريد الحبشة، فأرجعه ابن الدُّغُنَّة في جواره‏.‏
قال ابن إسحاق‏:‏ لما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه
وسلم من الأذى ما لم تطمع به في حياة أبي طالب، حتى اعترضه سفيه من سفهاء
قريش فنثر على رأسه ترابًا، ودخل بيته والتراب على رأسه، فقامت إليه إحدى
بناته فجعلت تغسل عنه التراب وهي تبكى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
لها‏:‏ ‏(‏لا تبكى يابنية، فإن الله مانع أباك‏)‏‏.‏ قال‏:‏ ويقول بين
ذلك‏:‏ ‏(‏ما نالت منى قريش شيئًا أكرهه حتى مات أبو طالب‏)‏‏.‏

ولأجل توالى مثل هذه الآلام في هذا العام سمى بعام الحزن، وعرف به في
السيرة والتاريخ‏.


الزواج بسودة رضي الله عنها‏‏

وفي شوال من هذه السنة ـ سنة
10 من النبوة ـ تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة، كانت ممن
أسلم قديمًا وهاجرت الهجرة الثانية إلى الحبشة، وكان زوجها السكران بن
عمرو، وكان قد أسلم وهاجر معها، فمات بأرض الحبشة، أو بعد الرجوع إلى مكة،
فلما حلت خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجها، وكانت أول امرأة
تزوجها بعد وفاة خديجة، وكانت قد وهبت نوبتها لعائشة رضي الله عنها
أخيرًا‏.‏

عوامل الصبر والثبات


وهنا يقف الحليم حيران، ويتساءل عقلاء الرجال فيما بينهم‏:‏ ما هي الأسباب
والعوامل التي بلغت بالمسلمين إلى هذه الغاية القصوى، والحد المعجز من
الثبات‏؟‏ كيف صبروا على هذه الاضطهادات التي تقشعر لسماعها الجلود، وترجف
لها الأفئدة‏؟‏ ونظرًا إلى هذا الذي يتخالج القلوب نرى أن نشير إلى بعض هذه
العوامل والأسباب إشارة عابرة بسيطة‏:‏

1 ـ الإيمــان بالله‏:‏

إن السبب الرئيسي في ذلك أولًا
وبالذات هو الإيمان بالله وحده ومعرفته حق المعرفة، فالإيمان الجازم إذا
خالطت بشاشته القلوب يزن الجبال ولا يطيش، وإن صاحب هذا الإيمان المحكم
وهذا اليقين الجازم يرى متاعب الدنيا مهما كثرت وكبرت وتفاقمت واشتدت ـ
يراها في جنب إيمانه ـ طحالب عائمة فوق سَيْل جارف جاء ليكسر السدود
المنيعة والقلاع الحصينة، فلا يبالى بشيء من تلك المتاعب أمام ما يجده من
حلاوة إيمانه، وطراوة إذعانه، وبشاشة يقينه ‏{‏ فَأَمَّا الزَّبَدُ
فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي
الأَرْضِ‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏17‏]‏‏.‏
ويتفرع من هذا السبب الوحيد أسباب أخرى تقوى هذا الثبات والمصابرة وهي‏:‏
2 ـ قيادة تهوى إليها الأفئدة‏:‏
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ـ وهو القائد الأعلى للأمة الإسلامية، بل
وللبشرية جمعاء ـ يتمتع من جمال الخلق، وكمال النفس، ومكارم الأخلاق،
والشيم النبيلة، والشمائل الكريمة، بما تتجاذب إليه القلوب وتتفإني دونه
النفوس، وكانت أنصبته من الكمال الذي يحبَّبُ لم يرزق بمثلها بشر‏.‏ وكان
على أعلى قمة من الشرف والنبل والخير والفضل‏.‏ وكان من العفة والأمانة
والصدق، ومن جميع سبل الخير على ما لم يتمار ولم يشك فيه أعداؤه فضلًا عن
محبيه ورفقائه، لا تصدر منه كلمة إلا ويستيقنون صدقها‏.‏
اجتمع ثلاثة نفر من قريش، وكان قد استمع كل واحد منهم إلى القرآن سرًا عن
صاحبيه، ثم انكشف سرهم، فسأل أحدهم أبا جهل ـ وكان من أولئك الثلاثة‏:‏ ما
رأيك فيما سمعت من محمد‏؟‏ فقال‏:‏ ماذا سمعت‏؟‏ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف
الشرف؛ أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تحاذينا
على الركب، وكنا كَفَرَسىْ رِهَان قالوا‏:‏ لنا نبى يأتيه الوحى من السماء،
فمتى ندرك هذه‏؟‏ والله لا نؤمن به أبدًا، ولا نصدقه‏.‏
وكان أبو جهل يقول‏:‏ يا محمد، إنا لا نكذبك ولكن نكذب بما جئت به، فأنزل
الله‏:‏‏{‏ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ
بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏33‏]‏‏.‏
وغمزه صلى الله عليه وسلم الكفار يومًا ثلاث مرات فقال في الثالثة‏:‏ ‏(‏يا
معشر قريش، جئتكم بالذبح‏)‏، فأخذتهم تلك الكلمة حتى إن أشدهم عداوة يرفؤه
بأحسن ما يجد عنده‏.‏
ولما ألقوا عليه سَلاَ جَزُورٍ وهو ساجد، دعا عليهم، فذهب عنهم الضحك،
وساورهم الهم والقلق، وأيقنوا أنهم هالكون‏.‏
ودعا على عتبة بن أبي لهب فلم يزل على يقين من لقاء ما دعا به عليه حتى إنه
حين رأي الأسد قال‏:‏ قتلنى والله ـ محمد ـ وهو بمكة‏.‏
وكان أبي بن خلف يتوعده بالقتل‏.‏ فقال‏:‏ ‏(‏بل أنا أقتلك إن شاء الله‏)‏،
فلما طعن أبيًا في عنقه يوم أحد ـ وكان خدشًا غير كبير ـ كان أبي يقول‏:‏
إنه قد كان قال لى بمكة‏:‏ أنا أقتلك، فو الله لو بصق على لقتلني ـ
وسيأتي‏.‏
وقال سعد بن معاذ ـ وهو بمكة ـ لأمية بن خلف‏:‏ لقد سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏إنهم ـ أي المسلمين ـ قاتلوك‏)‏ ففزع فزعًا
شديدًا، وعهد ألا يخرج عن مكة، ولما ألجأه أبو جهل للخروج يوم بدر اشترى
أجود بعير بمكة ليمكنه من الفرار، وقالت له امرأته‏:‏ يا أبا صفوان، وقد
نسيت ما قال لك أخوك اليثربي‏؟‏ قال‏:‏ لا والله ما أريد أن أجوز معهم إلا
قريبًا‏.‏
هكذا كان حال أعدائه صلى الله عليه وسلم،أما أصحابه ورفقاؤه فقد حل منهم
محل الروح والنفس، وشغل منهم مكان القلب والعين، فكان الحب الصادق يندفع
إليه اندفاع الماء إلى الحُدور، وكانت النفوس تنجذب إليه انجذاب الحديد إلى
المغناطيس‏.‏
فصورته هيولى كل جسم ** ومغناطيس أفئـدة الرجــال
وكان من أثر هذا الحب والتفاني أنهم كانوا ليرضون أن تندق أعناقهم ولا يخدش
له ظفر أو يشاك شوكة‏.‏
وطيء أبو بكر بن أبي قحافة يومًا بمكة، وضرب ضربًا شديدًا، دنا منه عتبة بن
ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفين ويحرفهما لوجهه، ونزا على بطن أبي بكر،
حتى ما يعرف وجهه من أنفه، وحملت بنو تيم أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه منزله،
ولا يشكون في موته، فتكلم آخر النهار فقال‏:‏ ما فعل رسول الله صلى الله
عليه وسلم‏؟‏ فمسوا منه بألسنتهم وعذلوه، ثم قاموا وقالوا لأمه أم الخير‏:‏
انظرى أن تطعميه شيئًا أو تسقيه إياه، فلما خلت به ألحت عليه، وجعل
يقول‏:‏ ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ فقالت‏:‏ والله لا علم لى
بصاحبك، فقال‏:‏ اذهبى إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه، فخرجت حتى
جاءت أم جميل فقالت‏:‏ إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله، قالت‏:‏ ما
أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله، وإن كنت تحبين أن أذهب معك إلى ابنك
ذهبت، قالت‏:‏ نعم، فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعًا دنفًا، فدنت أم جميل
وأعلنت بالصياح، وقالت‏:‏ والله إن قومًا نالوا هذا منك لأهل فسق وكفر،
وإني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم، قال‏:‏ فما فعل رسول الله صلى الله عليه
وسلم‏؟‏ قالت‏:‏ هذه أمك تسمع، قال‏:‏ فلا شيء علىك منها، قالت‏:‏ سالم
صالح، فقال‏:‏ أين هو‏؟‏ قالت‏:‏ في دار ابن الأرقم، قال‏:‏ فإن لله على
ألا أذوق طعامًا ولا أشرب شرابًا أو آتى رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فأمهلتا حتى إذا هدأت الرِّجْل، وسكن الناس خرجتا به، يتكئ عليهما، حتى
أدخلتـاه على رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
وسننقل نوادر الحب والتفإني في مواضع شتى من هذا الكتاب، ولا سيما ما وقع
في يوم أحد، وما وقع من خبيب وأمثاله‏.‏
3 ـ الشعور بالمسئولية‏:‏
فكان الصحابة يشعرون شعورًا تامًا ما على كواهل البشر من المسئولية الفخمة
الضخمة، وأن هذه المسئولية لا يمكن عنها الحياد والانحراف بحال، فالعواقب
التي تترتب على الفرار عن تحملها أشد وخامة وأكبر ضررًا عما هم فيه من
الاضطهاد، وأن الخسارة التي تلحقهم ـ وتلحق البشرية جمعاء ـ بعد هذا الفرار
لا يقاس بحال على المتاعب التي كانوا يواجهونها نتيجة هذا التحمل‏.‏
4 ـ الإيمـان بالآخـرة‏:‏
وهو مما كان يقوى هذا الشعور ـ الشعور بالمسئولية ـ فقد كانوا على يقين
جازم بأنهم يقومون لرب العالمين، ويحاسبون على أعمالهم دقها وجلها، صغيرها
وكبيرها، فإما إلى النعيم المقيم، وإما إلى عذاب خالد في سواء الجحيم،
فكانوا يقضون حياتهم بين الخوف والرجاء، يرجون رحمة ربهم ويخافون عذابه،
وكانوا ‏{‏يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى
رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ‏}‏ ‏[‏المؤمنون‏:‏60‏]‏، وكانوا يعرفون أن الدنيا
بعذابها ونعيمها لا تساوى جناح بعوضة في جنب الآخرة، وكانت هذه المعرفة
القوية تهون لهم متاعب الدنيا ومشاقها ومرارتها؛ حتى لم يكونوا يكترثون لها
ويلقون إليها بالًا‏.‏
5 ـ القـــرآن‏:‏
وفي هذه الفترات العصيبة الرهيبة الحالكة كانت تنزل السور والآيات تقيم
الحجج والبراهين على صدق مبادئ الإسلام ـ التي كانت الدعوة تدور حولها ـ
بأساليب منيعة خلابة، وترشد المسلمين إلى أسس قدر الله أن يتكون عليها أعظم
وأروع مجتمع بشرى في العالم ـ وهو المجتمع الإسلامى ـ وتثير مشاعر
المسلمين ونوازعهم على الصبر والتجلد، تضرب لذلك الأمثال، وتبين لهم ما فيه
من الحكم ‏{‏أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا
يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ
الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ
وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ
قَرِيبٌ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏214 ‏]‏ ‏{‏الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا
أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ
مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا
وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ‏}‏ ‏[‏العنكبوت‏:‏1‏:‏ 3‏]‏‏.‏
كما كانت تلك الآيات ترد على إيرادات الكفار والمعاندين ردًا مفحمًا، ولا
تبقى لهم حيلة، ثم تحذرهم مرة عن عواقب وَخِيمَة ـ إن أصروا على غيهم
وعنادهم ـ في جلاء ووضوح، مستدلة بأيام الله، والشواهد التاريخية التي تدل
على سنة الله في أوليائه وأعدائه، وتلطفهم مرة، وتؤدى حق التفهيم والإرشاد
والتوجيه حتى ينصرفوا عما هم فيه من الضلال المبين‏.‏
وكان القرآن يسير بالمسلمين في عالم آخر، ويبصرهم من مشاهد الكون وجمال
الربوبية، وكمال الألوهية، وآثار الرحمة والرأفة، وتجليات الرضوان ما يحنون
إليه حنينًا لا يقوم له أي عقبة‏.‏
وكانت في طى هذه الآيات خطابات للمسلمين، فيها ‏{‏يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم
بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ
مُّقِيمٌ‏}‏ ‏[‏ التوبة‏:‏21 ‏]‏، وتصور لهم صورة أعدائهم من الكفرة الطغاة
الظالمين يحاكمون ويصادرون، ثم ‏{‏يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى
وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ‏}‏ ‏[‏القمر‏:‏48‏]‏‏.‏
6 ـ البشارات بالنجاح‏:‏
ومع هذا كله كان المسلمون يعرفون منذ أول يوم لاقوا فيه الشدة والاضطهاد ـ
بل ومن قبله ـ أن الدخول في الإسلام ليس معناه جر المصائب والحتوف، بل إن
الدعوة الإسلامية تهدف ـ منذ أول يومها ـ إلى القضاء على الجاهلية الجهلاء
ونظامها الغاشم، وأن من نتائجها في الدنيا بسط النفوذ على الأرض، والسيطرة
على الموقف السياسي في العالم لتقود الأمة الإنسانية والجمعية البشرية إلى
مرضاة الله، وتخرجهم من عبادة العباد إلى عبادة الله‏.‏
وكان القرآن ينزل بهذه البشارات ـ مرة بالصراحة وأخرى بالكناية ـ ففي تلك
الفترات القاصمة التي ضيقت الأرض على المسلمين، وكادت تخنقهم وتقضى على
حياتهم كانت تنزل الآيات بما جرى بين الأنبياء السابقين وبين أقوامهم الذين
قاموا بتكذيبهم والكفر بهم، وكانت تشتمل هذه الآيات على ذكر الأحوال التي
تطابق تمامًا أحوال مسلمى مكة وكفارها، ثم تذكر هذه الآيات بما تمخضت عنه
تلك الأحوال من إهلاك الكفرة والظالمين، وإيراث عباد الله الصالحين الأرض
والديار‏.‏ فكانت في هذه القصص إشارات واضحة إلى فشل أهل مكة في المستقبل،
ونجاح المسلمين مع نجاح الدعوة الإسلامية‏.‏
وفي هذه الفترات نزلت آيات تصرح ببشارة غلبة المؤمنين، قال تعالى‏:‏
‏{‏وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ
لَهُمُ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ فَتَوَلَّ
عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ
أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاء
صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ‏}‏ ‏[‏الصافات‏:‏171‏:‏ 177‏]‏،وقال‏:‏
‏{‏سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ‏}‏ ‏[‏القمر‏:‏45‏]‏،
وقال‏:‏ ‏{‏جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ الْأَحْزَابِ‏}‏
‏[‏ص‏:‏11]‏‏.‏ ونزلت في الذين هاجروا إلى الحبشة‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ
هَاجَرُواْ فِي اللّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي
الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ
يَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏41‏]‏‏.‏ وسألوه عن قصة يوسف فأنزل الله في
طيها‏:‏ ‏{‏لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ
لِّلسَّائِلِينَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏7‏]‏‏.‏ أي فأهل مكة السائلون يلاقون ما لاقى
إخوانه من الفشل، ويستسلمون كاستسلامهم، وقال وهو يذكر الرسل‏:‏
‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ
أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ
رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ الأَرْضَ مِن
بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ‏}‏
‏[‏إبراهيم‏:‏13، 14‏]‏‏.‏وحينما كانت الحرب مشتعلة بين الفرس والرومان،
وكان الكفار يحبون غلبة الفرس لكونهم مشركين، والمسلمون يحبون غلبة الرومان
لكونهم مؤمنين بالله والرسل والوحى والكتب واليوم الآخر، وكانت الفرس
يغلبون ويتقدمون، أنزل الله بشارة بغلبة الروم في بضع سنين، ولكنه لم يقتصر
على هذه البشارة الواحدة، بل صرح ببشارة أخرى، وهي نصر الله للمؤمنين حيث
قال‏:‏ ‏{‏وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّه‏}‏
‏[‏الروم‏: ‏4، 5‏]‏‏.‏
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه يقـوم بمـثل هذه البشارات بين
آونـة وأخـرى، فكـان إذا وافي الموسم، وقـام بـين الناس في عُكاظ،
ومَجَنَّة، وذى المَجَاز لتبليغ الرسالة، لـم يكـن يبشرهم بالجـنة فحسب، بل
يقول لهم بكل صراحة‏:‏ ‏(‏يأيها الناس، قولوا‏:‏ لا إله إلا الله تفلحوا،
وتملكوا بها العرب، وتدين لكم بها العجم، فإذا متم كنتم ملوكًا في
الجنة‏)‏‏.‏
وقد أسلفنا ما أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم عتبة بن ربيعة حين أراد
مساومته على رغائب الدنيا، وما فهمه ورجاه عتبة من ظهور أمره عليه الصلاة
والسلام‏.‏
وكذلك ما أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم آخر وفد جاء إلى أبي طالب، فقد
صرح لهم أنه يطلب منهم كلمة واحدة يعطونها تدين لهم بها العرب، ويملكون
العجم‏.‏
وقال خباب بن الأرت‏:‏ أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد برده وهو
في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة، فقلت‏:‏ ألا تدعو الله، فقعد،
وهو محمر وجهه، فقال‏:‏ ‏(‏لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون
عظامه من لحم وعصب ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير
الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله ـ زاد بيان الراوى ـ والذئب
على غنمه‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏ولكنكم تستعجلون‏)‏
ولم تكن هذه البشارات مخفية مستورة، بل كانت فاشية مكشوفة، يعلمها الكفرة،
كما كان يعلمها المسلمون، حتى كان الأسود بن المطلب وجلساؤه إذا رأوا أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم تغامزوا بهم، وقالوا‏:‏ قد جاءكم ملوك الأرض
الذين يرثون كسرى وقيصر، ثم يصفرون ويصفقون‏.‏
وأمام هذه البشارات بالمستقبل المجيد المستنير في الدنيا، مع ما فيه من
الرجاء الصالح الكبير البالغ إلى النهاية في الفوز بالجنة كان الصحابة يرون
أن الاضطهادات التي تتوالى عليهم من كل جانب، والمصائب التي تحيط بهم من
كل الأرجاء ليست إلا‏:‏ ‏(‏سحابة صيف عن قليل تقشع‏)‏‏.‏

هذا ولم يزل الرسول صلى الله عليه وسلم يغذى أرواحهم برغائب الإيمان، ويزكى
نفوسهم بتعليم الحكمة والقرآن، ويربيهم تربية دقيقة عميقة، يحدو بنفوسهم
إلى منازل سمو الروح، ونقاء القلب، ونظافة الخلق، والتحرر من سلطان
الماديات، والمقاومة للشهوات، والنزوع إلى رب الأرض والسموات، ويذكى جمرة
قلوبهم، ويخرجهم من الظلمات إلى النور، ويأخذهم بالصبر على الأذى، والصفح
الجميل، وقهر النفس‏.‏ فازدادوا رسوخًا في الدين،وعزوفا عن الشهوات،
وتفانيًا في سبيل المرضاة، وحنينًا إلى الجنة، وحرصًا على العلم، وفقهًا في
الدين، ومحاسبة للنفس، وقهرًا للنزعات وغلبة على العواطف، وتسيطرًا على
الثائرات والهائجات، وتقيدًا بالصبر والهدوء والوقار‏.‏

الرسول صلى الله عليه وسلم
في الطائف

في شوال سنة عشر من النبوة ‏[‏في
أواخر مايو أو أوائل يونيو سنة 619 م‏]‏ خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى
الطائف، وهي تبعد عن مكة نحو ستين ميلًا، سارها ماشيًا على قدميه جيئة
وذهوبًا، ومعه مولاه زيد بن حارثة، وكان كلما مر على قبيلة في الطريق دعاهم
إلى الإسلام، فلم تجب إليه واحدة منها‏.‏
فلما انتهي إلى الطائف عمد ثلاثة إخوة من رؤساء ثقيف، وهم عبد ياليل ومسعود
وحبيب أبناء عمرو بن عمير الثقفي، فجلس إليهم ودعاهم إلى الله، وإلى نصرة
الإسلام، فقال أحدهم‏:‏ هو يَمْرُط ثياب الكعبة ‏[‏أي يمزقها‏]‏ إن كان
الله أرسلك‏.‏ وقال الآخر‏:‏ أما وَجَدَ الله أحدًا غيرك، وقال
الثالث‏:‏والله لا أكلمك أبدًا، إن كنت رسولًا لأنت أعظم خطرًا من أن أرد
عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغى أن أكلمك‏.‏ فقام عنهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم وقال لهم‏:‏ ‏[‏إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا
عني‏]‏‏.‏
وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أهل الطائف عشرة أيام، لا يدع
أحدًا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه، فقالوا‏:‏ اخرج من بلادنا‏.‏ وأغروا به
سفهاءهم، فلما أراد الخروج تبعه سفهاؤهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به، حتى
اجتمع عليه الناس، فوقفوا له سِمَاطَيْن ‏[‏أي صفين‏]‏ وجعلوا يرمونه
بالحجارة، وبكلمات من السفه، ورجموا عراقيبه، حتى اختضب نعلاه بالدماء‏.‏
وكان زيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى أصابه شِجَاج في رأسه، ولم يزل به
السفهاء كذلك حتى ألجأوه إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة على ثلاثة أميال
من الطائف، فلما التجأ إليه رجعوا عنه، وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى حُبْلَة من عنب فجلس تحت ظلها إلى جدار‏.‏ فلما جلس إليه واطمأن، دعا
بالدعاء المشهور الذي يدل على امتلاء قلبه كآبة وحزنًا مما لقى من الشدة،
وأسفًا على أنه لم يؤمن به أحد، قال‏:‏
‏(‏اللهم إليك أشكو ضَعْف قُوَّتِى، وقلة حيلتى، وهوإني على الناس، يا أرحم
الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تَكِلُنى‏؟‏ إلى بعيد
يَتَجَهَّمُنِى‏؟‏ أم إلى عدو ملكته أمري‏؟‏ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا
أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات،
وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سَخَطُك، لك
العُتْبَى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك‏)‏‏.‏
فلما رآه ابنا ربيعة تحركت له رحمهما، فدعوا غلامًا لهما نصرانيًا يقال
له‏:‏ عَدَّاس، وقالا له‏:‏خذ قطفًا من هذا العنب، واذهب به إلى هذا
الرجل‏.‏ فلما وضعه بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مد يده إليه
قائلًا‏:‏ ‏(‏باسم الله‏)‏ ثم أكل‏.‏
فقال عداس‏:‏ إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد، فقال له رسول الله
صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من أي البلاد أنت‏؟‏ وما دينك‏؟‏ قال‏:‏ أنا
نصراني من أهل نِينَوَى‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ من قرية
الرجل الصالح يونس بن مَتَّى‏)‏‏.‏ قال له‏:‏ وما يدريك ما يونس ابن متى‏؟‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ذاك أخي، كان نبيًا وأنا نبي‏)‏،
فأكب عداس على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويديه ورجليه يقبلها‏.‏
فقال ابنا ربيعة أحدهما للآخر‏:‏ أما غلامك فقد أفسده عليك‏.‏ فلما جاء
عداس قالا له‏:‏ ويحك ما هذا‏؟‏ قال‏:‏ يا سيدى، ما في الأرض شيء خير من
هذا الرجل، لقد أخبرني بأمر لا يعلمه إلا نبى، قالا له‏:‏ ويحك يا عداس ،
لا يصرفنك عن دينك، فإن دينك خير من دينه‏.‏
ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق مكة بعد خروجه من الحائط كئيبًا
محزونًا كسير القلب، فلما بلغ قرن المنازل بعث الله إليه جبريل ومعه ملك
الجبال، يستأمره أن يطبق الأخشبين على أهل مكة‏.‏
وقد روى البخاري تفصيل القصة ـ بسنده ـ عن عروة بن الزبير، أن عائشة رضي
الله عنها حدثته أنها قالت للنبى صلى الله عليه وسلم‏:‏ هل أتى عليك يوم
كان أشد عليك من يوم أحد‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏لقيت من قومكِ ما لقيت، وكان أشد ما
لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد يالِيل بن عبد كُلاَل، فلم
يجبني إلى ما أردت، فانطلقت ـ وأنا مهموم ـ على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا
بقَرْنِ الثعالب ـ وهو المسمى بقَرْنِ المنازل ـ فرفعت رأسي فإذا أنا
بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال‏:‏ إن الله قد سمع
قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت
فيهم‏.‏ فناداني ملك الجبال، فسلم عليّ ثم قال‏:‏ يا محمد، ذلك، فما شئت،
إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ـ أي لفعلت، والأخشبان‏:‏ هما جبلا مكة‏:‏
أبو قُبَيْس والذي يقابله، وهو قُعَيْقِعَان ـ قال النبي صلى الله عليه
وسلم‏:‏ بل أرجو أن يخرج الله عز وجل من أصلابهم من يعبد الله عز وجل وحده
لا يشرك به شيئا‏)‏‏.‏
وفي هذا الجواب الذي أدلى به الرسول صلى الله عليه وسلم تتجلى شخصيته
الفذة، وما كان عليه من الخلق العظيم لا يدرك غوره‏.‏
وأفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم واطمأن قلبه لأجل هذا النصر الغيبى
الذي أمده الله عليه من فوق سبع سموات، ثم تقدم في طريق مكة حتى بلغ وادى
نخلة، وأقام فيه أيامًا‏.‏ وفي وادى نخلة موضعان يصلحان للإقامة ـ السَّيْل
الكبير والزَّيْمَة ـ لما بهما من الماء والخصب، ولم نقف على مصدر يعين
موضع إقامته صلى الله عليه وسلم فيه‏.‏
وخلال إقامته صلى الله عليه وسلم هناك بعث الله إليه نفرًا من الجن ذكرهم
الله في موضعين من القرآن‏:‏ في سورة الأحقاف‏:‏ ‏{‏وَإِذْ صَرَفْنَا
إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا
حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم
مُّنذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن
بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ
وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ
وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ
أَلِيمٍ‏}‏ ‏[‏الأحقاف‏:‏29‏:‏ 31‏]‏‏.‏
وفي سورة الجن‏:‏ ‏{‏قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ
الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى
الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا‏}‏ إلـى
تمـام الآيــة الخامـسة عشـر ‏[‏ الجن‏: ‏1: 15‏]‏‏.‏
ومن سياق هذه الآيات ـ وكذا من سياق الروايات التي وردت في تفسير هذا
الحادث ـ يتبين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم حضور ذلك النفر من
الجن حين حضروا وسمعوا، وإنما علم بعد ذلك حين أطلعه الله عليه بهذه
الآيات، وأن حضورهم هذا كان لأول مرة، ويقتضى سياق الروايات أنهم وفدوا بعد
ذلك مرارًا‏.‏
وحقًا كان هذا الحادث نصرًا آخر أمده الله من كنوز غيبه المكنون بجنوده
التي لا يعلمها إلا هو، ثم إن الآيات التي نزلت بصدد هذا الحادث كانت في
طيها بشارات بنجاح دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن أي قوة من قوات
الكون لا تستطيع أن تحول بينها وبين نجاحها‏:‏ ‏{‏وَمَن لَّا يُجِبْ
دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن
دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ‏}‏ ‏[‏الأحقاف‏:‏32]‏،
‏{‏وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَن
نُّعْجِزَهُ هَرَبًا‏}‏ ‏[‏الجن‏:‏12‏]‏‏.‏
أمام هذه النصرة، وأمام هذه البشارات، أقشعت سحابة الكآبة والحزن واليأس
التي كانت مطبقة عليه منذ أن خرج من الطائف مطرودًا مدحورًا، حتى صمم على
العود إلى مكة، وعلى القيام باستئناف خطته الأولى في عرض الإسلام وإبلاغ
رسالة الله الخالدة بنشاط جديد وبجد وحماس‏.‏
وحينئذ قال له زيد بن حارثة‏:‏ كيف تدخل عليهم وقد أخرجوك‏؟‏ يعنى قريشًا،
فقال‏:‏ ‏(‏يا زيد، إن الله جاعل لما ترى فرجًا ومخرجًا، وإن الله ناصر
دينه، ومظهر نبيه‏)‏‏.‏ وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا دنا من
مكة مكث بحِرَاء، وبعث رجلًا من خزاعة إلى الأخنس بن شَرِيق ليجيره،
فقال‏:‏ أنا حليف، والحليف لا يجير ، فبعث إلى سهيل بن عمرو، فقال سهيل‏:‏
إن بني عامر لا تجير على بني كعب، فبعث إلى المطعم بن عدى، فقال المطعم‏:‏
نعم ، ثم تسلح ودعا بنيه وقومه ، فقال‏:‏ البسوا السلاح، وكونوا عند أركان
البيت، فإني قد أجرت محمدًا، ثم بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
أن ادخل، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه زيد بن حارثة حتى انتهي
إلى المسجد الحرام، فقام المطعم بن عدى على راحلته فنادى‏:‏ يا معشر قريش،
إني قد أجرت محمدًا فلا يهجه أحد منكم، وانتهي رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى الركن فاستلمه، وطاف بالبيت، وصلى ركعتين، وانصرف إلى بيته، ومطعم
بن عدى وولده محدقون به بالسلاح حتى دخل بيته‏.‏
وقيل‏:‏ إن أبا جهل سأل مطعمًا‏:‏ أمجير أنت أم متابع ـ مسلم‏؟‏‏.‏ قال‏:‏
بل مجير‏.‏ قال‏:‏ قد أجرنا من أجرت‏.‏
وقد حفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم للمطعم هذا الصنيع، فقال في أسارى
بدر‏:‏ ‏(‏لو كان المطعم بن عدى حيًا ثم كلمنى في هؤلاء النتنى لتركتهم
له‏)‏‏.‏

عرض الإسلام علي القبائل والأفراد


في ذى القعدة سنة عشر
من النبوة ـ في أواخر يونيو أو أوائل يوليو سنة 619 م ـ عاد رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى مكة؛ ليستأنف عرض الإسلام على القبائل والأفراد،
ولاقتراب الموسم كان الناس يأتون إلى مكة رجالا، وعلى كل ضامر يأتين من كل
فج عميق لأداء فريضة الحج، وليشهدوا منافع لهم، ويذكروا اسم الله في أيام
معلومات، فانتهز رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الفرصة، فأتاهم قبيلة
قبيلة يعرض عليهم الإسلام ويدعوهم إليه ، كما كان يدعوهم منذ السنة الرابعة
من النبوة ، وقد بدأ يطلب منهم من هذه السنة ـ العاشرة ـ أن يؤووه وينصروه
ويمنعوه حتى يبلغ ما بعثه الله به‏.

القبائل التي عرض عليها الإسلام

قال الزهرى‏:‏ وكان ممن يسمى
لنا من القبائل الذين أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعاهم وعرض
نفسه عليهم‏:‏ بنو عامر بن صَعْصَعَة، ومُحَارِب بن خَصَفَة، وفزارة،
وغسان، ومرة، وحنيفة، وسليم، وعَبْس، وبنو نصر، وبنو البَكَّاء، وكندة،
وكلب، والحارث بن كعب، وعُذْرَة، والحضارمة، فلم يستجب منهم أحد‏.‏
وهذه القبائل التي سماها الزهرى لم يكن عرض الإسلام عليها في سنة واحدة ولا
في موسم واحد، بل إنما كان ما بين السنة الرابعة من النبوة إلى آخر موسم
قبل الهجرة‏.‏ ولا يمكن تسمية سنة معينة لعرض الإسلام على قبيلة معينة،
ولكن الأكثر كان في السنة العاشرة‏.‏
أما كيفية عرض الإسلام على هذه القبائل، وكيف كانت ردودهم على هذا العرض
فقد ذكرها ابن إسحاق،


ونلخصها فيما يلي‏:‏ 1

ـ بنو كلب‏:‏ أتى النبي صلى الله عليه وسلم إلى بطن منهم يقال لهم‏:‏ بنو
عبد الله، فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه، حتى إنه ليقول لهم‏:‏ ‏(‏يا
بني عبد الله، إن الله قد أحسن اسم أبيكم‏)‏، فلم يقبلوا منه ما عرض
عليهم‏.‏
2 ـ بنو حنيفة‏:‏ أتاهم في منازلهم فدعاهم إلى الله، وعرض عليهم نفسه، فلم
يكن أحد من العرب أقبح عليه ردًا منهم‏.‏
3 ـ وأتى إلى بني عامر بن صعصعة‏:‏ فدعاهم إلى الله، وعرض عليهم نفسه، فقال
بَيْحَرَة بن فِرَاس ‏[‏رجل منهم‏]‏‏:‏ والله، لو إني أخذت هذا الفتى من
قريش لأكلت به العرب، ثم قال‏:‏ أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك، ثم أظهرك
الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏الأمر إلى الله،
يضعه حيث يشاء‏)‏، فقال له‏:‏ أفَتُهْدَفُ نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك
الله كان الأمر لغيرنا، لا حاجة لنا بأمرك، فأبوا عليه‏.‏

ولما رجعت بنو عامر تحدثوا إلى شيخ لهم لم يواف الموسم لكبر سنه، وقالوا
له‏:‏ جاءنا فتى من قريش من بني عبد المطلب يزعم أنه نبى، يدعونا إلى أن
نمنعه ونقوم معه، ونخرج به إلى بلادنا، فوضع الشيخ يديه على رأسه ثم قال‏:‏
يا بني عامر وهل لها من تَلاَف‏؟‏ هل لذُنَابَاها من مَطْلَب‏؟‏ والذي نفس
فلان بيده ما تَقَوَّلَها إسماعيلى قط، وإنها لحق، فأين رأيكم كان
عنكم‏؟‏‏.‏

المؤمنون من غير أهل مكة

وكما عرض رسول الله صلى الله
عليه وسلم الإسلام على القبائل والوفود، عرض على الأفراد والأشخاص، وحصل من
بعضهم على ردود صالحة، وآمن به عدة رجال بعد هذا الموسم بقليل، وهاك نبذة
منهم‏:‏
1 ـ سويد بن الصامت‏:‏
كان شاعرًا لبيبًا، من سكان يثرب، يسميه قومه ‏[‏الكامل‏]‏ لجلده وشعره
وشرفه ونسبه، جاء مكة حاجًا أو معتمرًا، فدعاه رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى الإسلام، فقال‏:‏ لعل الذي معك مثل الذي معى‏.‏ فقال له رسول الله
صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏وما الذي معك‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ حكمة لقمان‏.‏ قال‏:‏
‏(‏اعرضها عليَّ‏)‏‏.‏ فعرضها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏(‏إن هذا لكلام حسن، والذي معى أفضل من هذا؛ قرآن أنزله الله تعالى عليّ،
هو هدى ونور‏)‏، فتلا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، ودعاه إلى
الإسلام، فأسلم، وقال‏:‏ إن هذا لقول حسن‏.‏ فلما قدم المدينة لم يلبث أن
قتل في وقعة بين الأوس والخزرج قبل يوم بعاث‏.‏ والأغلب أنه أسلم في أوائل
السنة الحادية عشرة من النبوة‏.‏
2 ـ إياس بن معاذ‏:‏
كان غلامًا حدثا من سكان يثرب، قدم في وفد من الأوس، جاءوا يلتمسون الحلف
من قريش على قومهم من الخزرج، وذلك قبيل حـرب بعاث في أوائل سنة 11 من
النبوة؛ إذ كانت نيران العداوة متقدة في يثرب بين القبيلتين ـ وكان الأوس
أقل عددًا من الخزرج ـ فلما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقدمهم
جاءهم، فجلس إليهم، وقال لهم‏:‏ ‏(‏هل لكم في خير مما جئتم له‏؟‏‏)‏
فقالوا‏:‏ وما ذاك‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏أنا رسول الله، بعثنى إلى العباد، أدعوهم
إلى أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئًا، وأنزل عليّ الكتاب‏)‏، ثم ذكر لهم
الإسلام، وتلا عليهم القرآن‏.‏ فقال إياس بن معاذ‏:‏ أي قوم، هذا والله
خير مما جئتم له، فأخذ أبو الحيسر أنس بن رافع ـ رجل من الوفد ـ حفنة من
تراب البطحاء فرمى بها وجه إياس، وقال‏:‏ دعنا فلعمرى لقد جئنا لغير هذا،
فصمت إياس، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانصرفوا إلى المدينة من
غير أن ينجحوا في عقد حلف مع قريش‏.‏
وبعد رجوعهم إلى يثرب لم يلبث إياس أن هلك، وكان يهلل ويكبر ويحمد ويسبح
عند موته، فلا يشكون أنه مات مسلمًا‏.‏
3 ـ أبو ذر الغفاري‏:‏
وكان من سكان نواحي يثرب، ولعله لما بلغ إلى يثرب خبر مبعث النبي صلى الله
عليه وسلم بسويد بن الصامت وإياس بن معاذ، وقع في أذن أبي ذر أيضًا، وصار
سببًا لإسلامه‏.‏
روى البخاري عن ابن عباس قال‏:‏ قال أبو ذر‏:‏ كنت رجلًا من غفار، فبلغنا
أن رجلًا قد خرج بمكة يزعم أنه نبى، فقلت لأخي‏:‏ انطلق إلى هذا الرجل
وكلمه، وائتنى بخبره، فانطلق فلقيه، ثم رجع، فقلت‏:‏ ما عندك‏؟‏ فقال‏:‏
والله، لقد رأيت رجلًا يأمر بالخير، وينهي عن الشر، فقلت له‏:‏ لم تشفنى من
الخبر، فأخذت جرابًا وعصا، ثم أقبلت إلى مكة، فجعلت لا أعرفه، وأكره أن
أسأل عنه، وأشرب من ماء زمزم وأكون في المسجد‏.‏ قال‏:‏ فمر بى عليّ‏.‏
فقال‏:‏ كأن الرجل غريب‏؟‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ نعم‏.‏ فقال‏:‏ فانطلق إلى
المنزل، فانطلقت معه لا يسألنى عن شيء ولا أسأله ولا أخبره‏.‏ فلما أصبحت
غدوت إلى المسجد لأسأل عنه، وليس أحد يخبرنى عنه بشيء‏.‏ قال‏:‏ فمر بى
عليّ فقال‏:‏ أما نال للرجل يعرف منزله بعد‏؟‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏
فانطلق معي، قال‏:‏ فقال‏:‏ ما أمرك‏؟‏ وما أقدمك هذه البلدة‏؟‏ قال‏:‏ قلت
له‏:‏إن كتمت عليّ أخبرتك، قال‏:‏ فإني أفعل، قال‏:‏ قلت له‏:‏ بلغنا أنه
قد خرج هاهنا رجل يزعم أنه نبى الله، فأرسلت أخي يكلمه فرجع ولم يشفنى من
الخبر، فأردت أن ألقاه‏.‏
فقال له‏:‏ أما إنك قد رشدت‏.‏ هذا وجهي إليه، ادخل حيث أدخل فإني إن رأيت
أحدًا أخافه عليك قمت إلى الحائط كإني أصلح نعلى، وامض أنت‏.‏ فمضى ومضيت
معه حتى دخل، ودخلت معه على النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏فقلت له‏:‏اعرض
عليّ الإسلام‏.‏ فعرضه، فأسلمت مكإني ، فقال لي‏:‏ ‏(‏يا أبا ذر، اكتم هذا
الأمر، وارجع إلى بلدك، فإذا بلغك ظهورنا فأقبل‏)‏‏.‏ فقلت‏:‏ والذي بعثك
بالحق لأصرخن بها بين أظهرهم، فجئت إلى المسجد، وقريش فيه ، فقلت‏:‏ يا
معشر قريش، إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ،
فقالوا‏:‏ قوموا إلى هذا الصابئ‏.‏ فقاموا، فضربت لأموت، فأدركنى العباس
فأكب عليّ، ثم أقبل عليهم فقال‏:‏ ويلكم تقتلون رجلًا من غفار‏؟‏ ومتجركم
وممركم على غفار، فأقلعوا عنى‏.‏ فلما أن أصبحت الغد، رجعت، فقلت مثل ما
قلت بالأمس‏.‏ فقالوا‏:‏ قوموا إلى هذا الصابئ، فصنع بي ما صنع بالأمس،
فأدركني العباس، فأكب عليّ وقال مثل مقالته بالأمس‏.‏
4 ـ طُفَيْل بن عمرو الدَّوْسى‏:‏
كان رجلًا شريفًا، شاعرًا لبيبًا، رئيس قبيلة دوس، وكانت لقبيلته إمارة أو
شبه إمارة في بعض نواحى اليمن، قدم مكة في عام 11 من النبوة، فاستقبله
أهلها قبل وصوله إليها، وبذلوا له أجل تحية وأكرم تقدير، وقالوا له‏:‏ يا
طفيل، إنك قدمت بلادنا، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا، وقد فرق
جماعتنا، وشتت أمرنا، وإنما قوله كالسحر، يفرق بين الرجل وأبيه، وبين الرجل
وأخيه ، وبين الرجل وزوجـه، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا،
فلا تكلمه ولا تسمعن منه شيئًا‏.‏
يقول طفيل‏:‏ فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت ألا أسمع منه شيئًا، ولا أكلمه،
حتى حشوت أذنى حين غدوت إلى المسجد كُرْسُفًا؛ فرقًا من أن يبلغنى شيء من
قوله، قال‏:‏ فغدوت إلى المسجد فإذا هو قائم يصلى عند الكعبة، فقمت قريبًا
منه، فأبي الله إلا أن يسمعنى بعض قوله، فسمعت كلامًا حسنًا، فقلت في
نفسى‏:‏ واثكل أمي، والله إني رجل لبيب شاعر؛ ما يخفي عليّ الحسن من
القبيح، فما يمنعنى أن أسمع من هذا الرجل ما يقول‏؟‏ فإن كان حسنًا قبلته،
وإن كان قبيحًا تركته، فمكثت حتى انصرف إلى بيته فاتبعته، حتى إذا دخل بيته
دخلت عليه، فعرضت عليه قصة مقدمى، وتخويف الناس إياي، وسد الأذن بالكرسف،
ثم سماع بعض كلامه، وقلت له‏:‏ اعرض عليّ أمرك، فعرض عليّ الإسلام، وتلا
عليّ القرآن‏.‏ فوالله ما سمعت قولًا قط أحسن منه، ولا أمرًا أعدل منه،
فأسلمت وشهدت شهادة الحق، وقلت له‏:‏ إني مطاع في قومى، وراجع إليهم،
وداعيهم إلى الإسلام، فادع الله أن يجعل لى آية، فدعا‏.‏
وكانت آيته أنه لما دنا من قومه جعل الله نورًا في وجهه مثل المصباح،
فقال‏:‏ اللهم في غير وجهي‏.‏ أخشى أن يقولوا‏:‏ هذه مثلة، فتحول النور إلى
سوطه، فدعا أباه وزوجته إلى الإسلام فأسلما، وأبطأ عليه قومه في الإسلام،
لكن لم يزل بهم حتى هاجر بعد الخندق، ومعه سبعون أو ثمانون بيتًا من قومه،
وقد أبلى في الإسلام بلاء حسنًا، وقتل شهيدًا يوم اليمامة‏.‏
5 ـ ضِمَاد الأزدى‏:‏
كان من أزْدِ شَنُوءَة من اليمن، وكان يرقى من هذا الريح، قدم مكة فسمع
سفهاءها يقولون‏:‏ إن محمدًا مجنون، فقال‏:‏ لو إني أتيت هذا الرجل لعل
الله يشفيه على يدى، فلقيه، فقال‏:‏ يا محمد، إني أرقى من هذا الريح، فهل
لك‏؟‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن الحمد لله نحمده
ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلله فلا هادى له، وأشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله‏.‏ أما
بعد‏)‏‏.‏

فقال‏:‏ أعد عليّ كلماتك هؤلاء، فأعادهن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثلاث مرات، فقال‏:‏ لقد سمعت قول الكهنة، وقول السحرة، وقول الشعراء، فما
سمعت مثل كلماتك هؤلاء، ولقد بلغن قاموس البحر، هات يدك أبايعك على
الإسلام، فبايعه‏.‏


ست نسمات طيبة من أهل يثرب

وفي موسم الحج من سنة 11 من
النبوة ـ يوليو سنة 620م ـ وجدت الدعوة الإسلامية بذورًا صالحة، سرعان ما
تحولت إلى شجرات باسقات، اتقى المسلمون في ظلالها الوارفة لفحات الظلم
والعدوان حتى تغير مجرى الأحداث وتحول خط التاريخ‏.‏
وكان من حكمته صلى الله عليه وسلم إزاء ما كان يلقى من أهل مكة من التكذيب
والصد عن سبيل الله أنه كان يخرج إلى القبائل في ظلام الليل، حتى لا يحول
بينه وبينهم أحد من أهل مكة المشركين‏.‏
فخرج ليلة ومعه أبو بكر وعلى، فمر على منازل ذُهْل وشيبان بن ثعلبة ،
وكلمهم في الإسلام‏.‏ وقد دارت بين أبي بكر وبين رجل من ذهل أسئلة وردود
طريفة، وأجاب بنو شيبان بأرجى الأجوبة، غير أنهم توقفوا في قبول الإسلام‏.‏

ثم مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعقبة منى، فسمع أصوات رجال يتكلمون
فعمدهم حتى لحقهم، وكانوا ستة نفر من شباب يثرب كلهم من الخزرج، وهم‏:‏
1 ـ أسعد بن زُرَارة ‏[‏من بني النجار‏]‏‏.‏
2 ـ عوف بن الحارث بن رفاعة ابن عَفْراء ‏[‏من بني النجار‏]‏‏.‏
3 ـ رافع بن مالك بن العَجْلان ‏[‏من بني زُرَيْق‏]‏‏.‏
4 ـ قُطْبَة بن عامر بن حديدة ‏[‏من بني سلمة‏]‏‏.‏
5 ـ عُقْبَة بن عامر بن نابي ‏[‏من بني حَرَام بن كعب ‏]‏‏.‏
6 ـ جابر بن عبد الله بن رِئاب ‏[‏من بني عبيد بن غَنْم ‏]‏‏.‏
وكان من سعادة أهل يثرب أنهم كانوا يسمعون من حلفائهم من يهود المدينة، إذا
كان بينهم شيء، أن نبيًا من الأنبياء مبعوث في هذا الزمان سيخرج، فنتبعه،
ونقتلكم معه قتل عاد وإرم‏.‏
فلما لحقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم‏:‏ ‏(‏من أنتم‏؟‏‏)‏
قالوا‏:‏ نفر من الخزرج، قال‏:‏ ‏(‏من موالى اليهود‏؟‏‏)‏ أي حلفائهم،
قالوا‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏أفلا تجلسون أكلمكم‏؟‏‏)‏ قالوا‏:‏ بلى، فجلسوا
معه، فشرح لهم حقيقة الإسلام ودعوته، ودعاهم إلى الله عز وجل، وتلا عليهم
القرآن‏.‏ فقال بعضهم لبعض‏:‏ تعلمون والله يا قوم، إنه للنبى الذي توعدكم
به يهود، فلا تسبقنكم إليه، فأسرعوا إلى إجابة دعوته، وأسلموا‏.‏
وكانوا من عقلاء يثرب، أنهكتهم الحرب الأهلية التي مضت قريبًا، والتي لا
يزال لهيبها مستعرًا، فأملوا أن تكون دعوته سببًا لوضع الحرب، فقالوا‏:‏
إنا قد تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم، فعسى أن
يجمعهم الله بك، فسنقدم عليهم، فندعوهم إلى أمرك، ونعرض عليهم الذي أجبناك
إليه من هذا الدين ، فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك‏.‏

ولما رجع هؤلاء إلى المدينة حملوا إليها رسالة الإسلام، حتى لم تبق دار من
دور الأنصار إلا وفيه ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏


استطراد ـ زواج رسول الله صلى الله
عليه وسلم بعائشة
وفي شوال من هذه السنة
ـ سنة 11 من النبوة ـ تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة الصديقة
رضي الله عنها وهي بنت ست سنين وبني بها بالمدينة في شوال في السنة الأولى
من الهجرة وهي بنت تسع سنين‏.‏


الإســراء والمعــراج


وبينما النبي صلى الله عليه
وسلم يمـر بهذه المرحلة، وأخذت الدعوة تشق طريقًا بين النجاح والاضطهـاد،
وبـدأت نجـوم الأمل تتلمح في آفاق بعيدة، وقع حادث الإسراء والمعـراج‏.‏
واختلف في تعيين زمنه على أقوال شتى‏:‏
1 ـ فقيل‏:‏ كان الإسراء في السنة التي أكرمه الله فيها بالنبوة، واختاره
الطبرى‏.‏
2 ـ وقيل‏:‏ كان بعد المبعث بخمس سنين، رجح ذلك النووى والقرطبى‏.‏
3 ـ وقيل‏:‏ كان ليلة السابع والعشرين من شهر رجب سنة 10 من النبوة‏.‏
4 ـ وقيل‏:‏ قبل الهجرة بستة عشر شهرًا، أي في رمضان سنة 12 من النبوة‏.‏
5 ـ وقيل‏:‏ قبل الهجرة بسنة وشهرين، أي في المحرم سنة 13 من النبوة‏.‏
6 ـ وقيل‏:‏ قبل الهجرة بسنة، أي في ربيع الأول سنة 13 من النبوة‏.‏
وَرُدَّتِ الأقوالُ الثلاثة الأول بأن خديجة رضي الله عنها توفيت في رمضان
سنة عشر من النبوة، وكانت وفاتها قبل أن تفرض الصلوات الخمس‏.‏ ولا خلاف أن
فرض الصلوات الخمس كان ليلة الإسراء‏.‏ أما الأقوال الثلاثة الباقية فلم
أجد ما أرجح به واحدًا منها، غير أن سياق سورة الإسراء يدل على أن الإسراء
متأخر جدًا‏.‏
وروى أئمة الحديث تفاصيل هذه الوقعة، وفيما يلي نسردها بإيجاز‏:‏
قال ابن القيم‏:‏ أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم بجسده على الصحيح من
المسجد الحرام إلى بيت المقدس، راكبًا على البُرَاق، صحبة جبريل عليهما
الصلاة والسلام، فنزل هناك، وصلى بالأنبياء إمامًا، وربط البراق بحلقة باب
المسجد‏.‏
ثم عرج به تلك الليلة من بيت المقدس إلى السماء الدنيا، فاستفتح له جبريل
ففتح له، فرأي هنالك آدم أبا البشر، فسلم عليه، فرحب به ورد عليه السلام،
وأقر بنبوته، وأراه الله أرواح السعداء عن يمينه، وأرواح الأشقياء عن
يساره‏.‏
ثم عرج به إلى السماء الثانية، فاستفتح له، فرأي فيها يحيى بن زكريا وعيسى
ابن مريم، فلقيهما وسلم عليهما، فردا عليه ورحبا به، وأقرّا بنبوته‏.‏
ثم عرج به إلى السماء الثالثة، فرأي فيها يوسف، فسلم عليه فرد عليه ورحب
به، وأقر بنبوته‏.‏
ثم عرج به إلى السماء الرابعة، فرأي فيها إدريس، فسلم عليه، فرد عليه، ورحب
به، وأقر بنبوته‏.‏
ثم عرج به إلى السماء الخامسة، فرأي فيها هارون بن عمران، فسلم عليه، فرد
عليه ورحب به، وأقر بنبوته‏.‏
ثم عرج به إلى السماء السادسة، فلقى فيها موسى بن عمران، فسلم عليه، فرد
عليه ورحب به، وأقر بنبوته‏.‏
فلما جاوزه بكى موسى، فقيل له‏:‏ ما يبكيك ‏؟‏ فقال‏:‏ أبكى؛ لأن غلامًا
بعث من بعدى يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتى‏.‏
ثم عرج به إلى السماء السابعة، فلقى فيها إبراهيم عليه السلام، فسلم عليه،
فرد عليه، ورحب به، وأقر بنبوته‏.‏
ثم رفع إلى سدرة المنتهى، فإذا نَبْقُها مثل قِلاَل هَجَر، وإذا ورقها مثل
آذان الفيلة، ثم غشيها فراش من ذهب، ونور وألوان، فتغيرت، فما أحد من خلق
الله يستطيع أن يصفها من حسنها‏.‏ ثم رفع له البيت المعمور، وإذا هو يدخله
كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون‏.‏ ثم أدخل الجنة، فإذا فيها حبائل
اللؤلؤ
Admin
Admin
Admin

عدد المساهمات : 205
نقاط : 662
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 10/01/2012
العمر : 33

https://p77r.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

جديد V

مُساهمة  جبرالخ ــــواطر الجمعة أبريل 06, 2012 5:15 pm

{.
جبرالخ ــــواطر
جبرالخ ــــواطر

عدد المساهمات : 3
نقاط : 7
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 14/03/2012

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى